رغم اختلاف الآراء في الحكومة الإسرائيلية حول بدء الحرب أو انتظار الهجوم المصري السوري إلا أنه تم الاتفاق على عدم توجيه الضربة المضادة حتى لا تظهر إسرائيل أمام العالم بأنها المعتدي.
في الساعة الثامنة صباح يوم السادس من أكتوبر اجتمعت الحكومة الإسرائيلية المصغرة لبحث تطورات الموقف، وتلا الاجتماع اجتماع آخر في الساعة الثانية عشرة ظهرًا بمكتب رئيسة الوزراء في تل أبيب وقد حضر الاجتماع جميع الوزراء عدا وزيرين تعذر الاتصال بهما نتيجة الاحتفال بعيد الغفران، وكانت هناك مفاجأة كبيرة لبعض الوزراء الذين لم يحضروا الاجتماعات السابقة عندما سمعوا عما يجرى على الحدود، وعن الإنذار الذي وصل إسرائيل عن استعداد مصر وسوريا لشن الحرب، وهنا أيقنوا بالخطر الذي يحيط بدولتهم، وهنا عرضت جولدا مائير قرارين بعدم البدء بتوجيه ضربة وقائية، والتعبئة الجزئية للقوات الاحتياطية، وقد وافق المجلس على القرارين رغم رغبة البعض في إجراء التعبئة العامة الكاملة إلا أنه خلال الاجتماع اندفع السكرتير العسكري لجولدا مائير ليحمل خبرًا عاجلاً ألا وهو بدء الحرب وسماع صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب   
وفي تل أبيب بدأت صفارات الإنذار تدوى في شوارعها لتدعو المواطنين الإسرائيليين لوقف احتفالاتهم بعيد الغفران وتقديم أنفسهم للخدمة العسكرية، وبدأت الأسر الإسرائيلية في التوجه إلى المخابئ، وسرعان ما توقفت صفارات الإنذار، وبدأت الإذاعة الإسرائيلية في بث برامجها المتوقفة خلال ذلك اليوم لتعلن بدأ قيام الحرب العربية الموحدة ضد إسرائيل في الجولان وسيناء.
ويتضح لنا أن مصر وسوريا استخدمتا سياسة الخداع الاستراتيجي مع إسرائيل، كما استخدمتها إسرائيل من قبل مع مصر وسوريا والأردن في حرب يونيو 1967، وكانت القيادتان المصرية السورية قد اختارتا يوم كيبور لبدء الحرب بسبب انغماس إسرائيل في الاحتفال الديني، وتوقف الإذاعة الإسرائيلية عن العمل مما سيعطى الفرصة لنجاح العمل العسكري بسبب تأخر استدعاء قوات الاحتياط، كما أثبت العرب بالدليل القاطع فشل جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" في التوصل لمعلومات صحيحة عن قيام مصر وسوريا بالحرب.
وفي الساعة الثالثة بعد ظهر السادس من أكتوبر أعلن الجيش الإسرائيلي عن قيام القوات المصرية والسورية بالهجوم على القوات الإسرائيلية جوًا وبرًا، وأن القوات الإسرائيلية تقوم بالعمل لوقف الهجوم العربي. ولكن سرعان ما بدأت القيادة الإسرائيلية في الانهيار، وبدأت القوات الإسرائيلية في التراجع عقب التوغل السوري في الجولان وعبور القوات المصرية قناة السويس، ولكن سرعان ما بدأت إسرائيل تتماسك بعد إعلان حالة التعبئة، وتم إرسال الجنرال بارليف إلى الجولان للعمل على تحسين أحوال القوات الإسرائيلية على تلك الجبهة بعد الخسائر الفادحة التي لاقاها الجيش الإسرائيلي في الجولان، ومن ناحية أخرى كانت إسرائيل قد خسرت أكثر من 900 مدرعة، و20 طائرة على الجبهة المصرية ورأت أنها لن تستطيع دحر القوات المصرية، ولذا فعليهم التوجه إلى الجولان تلك المنطقة الأكثر قربًا من المناطق الاستراتيجية لإسرائيل، وبدأت إسرائيل في استئناف القتال في الفترة من 8-13 أكتوبر ضد السوريين ونجحت في تكبيد سوريا خسائر فادحة
وعلى الجبهة المصرية كان على إسرائيل الاستعانة بالولايات المتحدة للتزود بالمعلومات العسكرية، والخطط لمواجهة الهجوم المصري، وبالفعل بدأ الخبراء الأمريكيون في دراسة الموقف وقدموا النصيحة لإسرائيل بضرورة تحطيم رؤوس الكباري في الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر، وتوجيه ضربة جوية ضد شبكة صواريخ سام6، إلا أن القوات المصرية نجحت في التصدي للطائرات الإسرائيلية، وأسقطت سبع طائرات، وبالرغم من الخسائر الإسرائيلية إلا أن الطائرات الإسرائيلية استمرت في غاراتها الجوية وهذا ما كبدها خسائر أكثر فوصل عدد الطائرات الإسرائيلية التي سقطت في اليومين الأولين للحرب 27 طائرة.
ويرى الباحث أن الولايات المتحدة دخلت بسرعة لصالح إسرائيل وأمدتها بالخطط العسكرية لمواجهة القوات المصرية والسورية في سيناء والجولان، وبذلك تكون الولايات قد أثبتت أنها السند القوي لإسرائيل عسكريًا وسياسيًا.
كانت إسرائيل قد بدأت هجومها المضاد في 7 أكتوبر على الجبهة المصرية عن طريقة ثلاثة ألوية مدرعة، وعدد من الطائرات ولكن القوات المصرية نجحت في إسقاط عدد من الطائرات الإسرائيلية، كما استطاعت المدرعات المصرية الاستيلاء على حصون القنطرة شرق، وبدأ الانهيار الداخلي يجتاح إسرائيل من الداخل حتى أن الشعب الإسرائيلي كان يعيش في حالة من الذعر والقلق والشعور بالكارثة بعد وصول سيارات الإسعاف محملة بالجرحى، ولم تستطع إسرائيل العمل في جبهتين في وقت واحد، وقد ظهر الانهيار على وجه موشى ديان
وفي ذلك اليوم اجتمع موشى ديان مع جولدا مائير، وأبدى رغبته في الاستقالة من منصبه إذا وافقت جولدا مائير ولكنها أصرت على بقائه في منصبه، وبدأت تتناقش معه من أجل العمل على الحصول على مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة لإنقاذ الموقف والعمل بسرعة وبدون أخطاء وبدأت إسرائيل في اتصالاتها بواشنطن من أجل الحصول على دعم عسكري خاصة بعد أن أفاق وزير الخارجية الأمريكي في اليوم الرابع للحرب على نداء إسرائيل SAVE ISREAL فقد كانت الدعاية الإسرائيلية تصور للعالم خلال الأيام الثلاثة الأولى للحرب بأنهم يطحنون عظام المصريين والسوريين، وقد طلبت إسرائيل 400 دبابة بصورة عاجلة بعد الخسائر الفادحة في الدبابات على الجبهة المصرية، كما ظهر موشى ديان أمام مراسلي الصحف العالمية وهو يبكى من آثار الهزيمة، ويقول أن إسرائيل لن تستطيع زحزحة المصريين عما وصلوا إليه في سيناء، وأن الطريق أصبح مفتوحًا أمام القوات المصرية للوصول إلى تل أبيب، وهنا بدأ كسنجر في العمل مع السوفيت لوقف إطلاق النار.
وعلى الرغم من المكاسب التي حققتها مصر وسوريا في الأيام الأولى للحرب إلا أن الخلاف الذي حدث بين القيادة المصرية والسورية أعطى الفرصة لإسرائيل للتحرك وبسرعة بعد انفراد قيادة كل من الجيشين المصري والسوري في العمل على إدارة عملياتها العسكرية بالصورة التي تناسب كل واحدة منهما وحسب سير الأحداث، وكانت القيادة المصرية قد حددت هدفها في إقامة رؤوس الكباري على الضفة الشرقية للقناة في عمق محدد في سيناء لا يتجاوز (10-12كم)، ثم إطالة الوقفة التعبوية التي بدأتها مصر يوم 9 أكتوبر بعد أن حققت مصر أهدافها([url=file:///E:/d/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A9 3%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%A722%D8%B4/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84.doc#_ftn13]·[/url]) من تدمير دفاعات خط بارليف والاستيلاء على خط شرق القناة بعمق 10-12كم، ونجحت القوات المصرية في صد الهجمات الإسرائيلية المضادة والتي وصلت إلى 64 هجومًا مضادًا في الفترة من 9-14 أكتوبر وهي الفترة التي اتخذت القوات المصرية وضع الوقفة التعبوية لحين صدور أوامر أخرى لتطوير الهجوم شرقًا للاستيلاء على المضايق
وقد استغلت إسرائيل هذه الفرصة في تجنب القتال في جبهتين في وقت واحد، ووضعت خطتها في اتخاذ وضع دفاعي على الجبهة المصرية لتركيز مجهودها على الجولان، وقد نجحت الخطة الإسرائيلية في دفع القوات السورية إلى الخلف حتى حدود هدنة عام 1967، ثم بدأت إسرائيل في الهجوم على المناطق الداخلية السورية
ومنذ 10 أكتوبر استطاعت إسرائيل استعادة زمام المبادرة على الجبهة السورية، وبدأت في مواصلة الضغط على القوات السورية والتقدم نحو دمشق بهدف تدمير الجيش السوري وإخراج سوريا من الحرب حتى تتفرع بصورة كاملة للجبهة المصرية، ولكن القوات السورية استطاعت المقاومة ببسالة خاصة بعد وصول قوات مدرعة عراقية ولواء أردني مدرع واشتراكهما في الحرب بجانب القوات السورية مما أدى إلى إيقاف الهجوم الإسرائيلي وتثبيت الجبهة السورية على أوضاعها يوم 13 أكتوبر، وهنا قررت القيادة الإسرائيلية نقل عملياتها إلى سيناء بداية من يوم 14 أكتوبر بعد بدء وصول الإمدادات الأمريكية
كانت الإمدادات العسكرية الأمريكية قد بدأت في الوصول لإسرائيل بعد الإلحاح الإسرائيلي على الإدارة الأمريكية، وكان موشى ديان قد جن جنونه نتيجة الخسائر الفادحة في قواته، ورأى أن قواته مشلولة، وهنا وافقت الإدارة الأمريكية على بدء عمل جسر جوي عبر المحيط الأطلنطي إلا أن هذا الجسر واجه صعوبات بسبب رفض الحكومات الأوروبية السماح باستخدام قواعد حلف الناتو لهذا الغرض، وهذا أدى لزيادة المخاوف الإسرائيلية، فأخذت في 12 أكتوبر تخبر الرئيس الأمريكي بأنه إذا لم تحصل إسرائيل على كميات من الأسلحة بسرعة فإنها ستلجأ إلى استخدام جميع الوسائل المتاحة لديها لضمان بقاء دولة إسرائيل، وهنا فسرت الإدارة الأمريكية الأمر بأن إسرائيل تهدد باستخدام الأسلحة النووية، وكانت جولدا مائير قد أعطت أوامرها لموشى ديان بتجهيز "قنابل يوم القيامة الإسرائيلية" لإدخالها للمعركة، ولكن قبل أن تتم الخطوة الأخيرة بدأ الجسر الجوي الأمريكي في الوصول لأرض المعركة مما أدى إلى إلغاء إسرائيل لفكرة استخدام السلاح النووي
ويرى الباحث أن الجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل قد بدأ بهدف منع إسرائيل من استخدام السلاح النووي خشية التدخل السوفيتي في المعركة لصالح العرب مما قد يؤدى إلى حدوث مواجهة مباشرة بين واشنطن وموسكو في الصراع الدائر في المنطقة مما قد يعرض الوفاق الدولي بين الدولتين للخطر، كما أنه يبدو أن الرأي العام الإسرائيلي قد ضغط على حكومته لشعوره بالهزيمة وقرب زوال إسرائيل مما جعل جولدا مائير تفكر في اللجوء إلى استخدام السلاح النووي.
وفي 14 أكتوبر وصلت مجموعة من الطائرات العملاقة الأمريكية من طراز (س-5) إلى مطار اللد في إسرائيل محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية لمساعدة إسرائيل بعد بكاء جولدا مائير للإدارة الأمريكية بعد أن وصل عدد القتلى الإسرائيليين إلى 656 في الأيام الأولى للمعركة حسب الإحصاءات الإسرائيلية
كانت القوات المصرية قد بدأت في تطوير هجومها في سيناء لتخفيف الضغط على القوات السورية في الجولان، وقد بلغت القوات المصرية مناطق في سيناء لا تحميها وسائل الدفاع الجوي وهذا جعلها معرضة للهجمات الجوية الإسرائيلية، وظهرت هنا آثار الجسر الجوي الأمريكي حيث كانت الطائرات الأمريكية تصل إلى المطارات العسكرية في سيناء وتقوم بإنزال حمولتها من المعدات والأسلحة لمساعدة إسرائيل مما كبد القوات المصرية خسائر فادحة وسرعان ما حدثت معركة الدبابات والتي تعد أكبر معارك الدبابات في العالم منذ الحرب العالمية الثانية وقد اشتركت 1000 دبابة مصرية ضد 600 دبابة إسرائيلية، وقد تعرضت الدبابات المصرية للخطر بسبب ابتعادها عن وسائل الدفاع الجوي، وهذا ما جعل خسائر الدبابات المصرية تصل في تلك المعارك إلى 150-200 دبابة مما أدى إلى إضعاف الجيشين الثاني والثالث وتطلب الأمر ضرورة إعادة تنظيم واسعة في دفاعاتهما بداية من يوم 15 أكتوبر
وقد ساعد إسرائيل على إحداث هذه الخسائر بالمدرعات المصرية هو العلم المسبق بالهجوم المصري نظرًا لقيام الطائرات الأمريكية بعمليات استطلاع جوي يوم 13 أكتوبر، ولذا تمكنت القوات الإسرائيلية من الاستعداد لمواجهة الهجوم المصري، كما استطاع الطيران الإسرائيلي العمل بحرية ضد المدرعات المصرية التي خرجت عن نطاق شبكة الدفاع الجوي، وهذا ما جعل القوات المصرية تتكبد خسائر فادحة في 14 أكتوبر وصلت إلى 250 دبابة في يوم واحد، ولم تستطع الوصول لأهدافها المقررة، ولذا فقد صدرت الأوامر من القيادة العامة للقوات المسلحة بفض الاشتباك والانسحاب إلى داخل رؤوس الكباري وبدأت حالة من القلق تنتاب القيادة المصرية خشية النتائج المترتبة على فشل عملية تطوير الهجوم شرقًا، ولذا فاعتبارًا من يوم 15 أكتوبر أخذ القتال يدور بشدة في نطاق الجيش الثاني شرق القناة في ضوء المعلومات الأمريكية عن القوات المصرية بحيث ركزت القوات الإسرائيلية هجماتها ضد الجيش الثاني في منطقة الدفرسوار شرق القناة بهدف اختراق بعض القوات الإسرائيلية المدرعة للضفة الغربية لقناة السويس
ويرى الباحث أن تطور الهجوم شرقًا كان عملية سياسية قام بها السادات من أجل تخفيف الضغط على الجبهة السورية، وكان لابد من تطوير الهجوم قبل ذلك بأربعة أيام، وعدم قيام الوقفة التعبوية، وكان يجب على السادات تقييم الموقف قبل البدء بتطوير الهجوم، واختيار هدف محدد ومحور للهجوم الرئيسي الذي ستقوم به القوات المصرية، وتقدير حجم القوات المدرعة الإسرائيلية شرق القناة من أجل تحقيق التفوق العسكري، وإعفاء قيادات الجيوش الميدانية من مسئولية المرحلة الثانية. بحيث تتولاها قيادة عمليات خاصة، وتشكيل احتياط آخر للجيش المصري كي يحافظ القائد العام على حرية الحركة، ولذا فقد كانت خسائر الجيش المصري فادحة في الدبابات.
كان تطوير الهجوم شرقًا قد أدى إلى حدوث خلافات بين القائد العام، ورئيس الأركان سعد الدين الشاذلي حيث كان القائد العام يرى ضرورة تطوير الهجوم شرقًا في حين عارض سعد الدين الشاذلي الفكرة بسبب أن لإسرائيل 8 ألوية مدرعة على الجبهة المصرية، وأن أي هجوم سيكون مصيره الفشل، إلا أن القائد العام قرر الهجوم لأنه قرار سياسي يجب أن يتم خلال تلك الفترة، إلا أن الروايات اختلفت حول هذا الأمر ففي حديث أجراه محمد حسنين هيكل في 18 نوفمبر 1973 مع الفريق أول أحمد إسماعيل نسب الفريق أول أحمد إسماعيل إلى الشاذلي أنه أراد الاندفاع نحو الممرات بعد الاستيلاء على خط بارليف ولكن أحمد إسماعيل رفض الأمر
ويرى الباحث أن الخلاف بين الفريق أول أحمد إسماعيل، ورئيس الأركان حول عملية تطوير الهجوم يجب الربط بينه وبين الموقف السوفيتي في الإلحاح الدائم على السادات بوقف إطلاق النار، ورفض السادات للفكرة بالرغم من قيام الجيش المصري بعد ذلك بالوقفة التعبوية، ولذا فلماذا حدثت الوقفة التعبوية على الرغم من عدم قبول السادات لوقف إطلاق النار، ولكن يبدو أن السادات كان يهدف من خلال الأيام الأولى إلى حدوث انفراجة سياسية خاصة بعد حدوث اتصالات سرية مع كسنجر في اليوم الأول للحرب، ولكن يبدو أنها فشلت ولذا فقد قام بتطوير الهجوم شرقًا، ويرى الباحث هنا أن السادات لم يكن هدفه من تطوير الهجوم هو تخفيف الضغط على سوريا وإنما الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل لإجراء حوار للسلام لاستعادة الأرض بعد فشله في الحصول على وعد بإعادة الأرض خلال الوقفة التعبوية، ولكن تطوير الهجوم بدون استراتيجية منظمة أحدث نوعًا من الخسائر في صفوف القوات المسلحة المصرية.
وفي 15 أكتوبر قامت طائرة استطلاع أمريكية بجولة استطلاعية ثانية فوق قناة السويس، في حين نشطت أعمال الاستطلاع الإسرائيلي فوق الجبهة تبعها سلسلة من الهجمات المحدودة بهدف اختبار قوة الدفاعات المصرية وفي مساء ذلك اليوم قررت إسرائيل التقدم نحو قناة السويس بقيادة الجنرال أرييل شارون، وكان على هذه القوات عبور القناة، وإعداد جسر لعبور المدرعات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية لقناة السويس وقد استغل شارون نقطة عدم وجود قوات مصرية في تلك المنطقة وقام بعملية عسكرية لعبور القناة بهدف الالتفاف حول الجيش الثالث المرابط على الشاطئ الشرقي لقناة السويس في منطقة الدفرسوار
وعلى الجبهة المصرية كان القتال يدور بضراوة شديدة في نطاق الجيش الثاني شرق قناة السويس، وقد ركزت إسرائيل مجهودها في ذلك اليوم بقواتها المدرعة والقصف الجوي ونيران المدفعية بهدف اختراق الجيش للوصول للضفة الغربية وقد نجح شارون بالفعل في اختراق الدفاعات المصرية حيث عبرت بعض قوات المظليين أولاً ثم تبع ذلك عبور المشاة والدبابات والمدفعية والتي قد تأخرت في الوصول بسبب ضراوة القتال وصمود القوات المصرية أمام الهجوم الإسرائيلي المضاد
وفي الوقت الذي اشتد فيه القتال ألقى السادات خطابًا له أمام مجلس الشعب يوم 16 أكتوبر أعلن فبه انتصار القوات المسلحة وعبورها مانع قناة السويس وخط بارليف بعد أن أفقدت العدو الإسرائيلي توازنه في ست ساعات، كما أعلن السادات ثقته في القوات المسلحة وخلال خطاب السادات في مجلس الشعب وصلت بعض المعلومات إلى وزير الحربية أحمد إسماعيل بالتوغل الإسرائيلي في الجبهة الغربية، ولم تكن المعلومات تدعو للقلق حيث قدرت هذه المعلومات القوات الإسرائيلية المتسللة بسرية مشاه ميكانيكي وسرية دبابات (7-10 دبابات)، ولذا فقد اعتبرت القيادة المصرية أن هذه العملية ما هي إلا مغامرة تكتيكية، ولذا ترك الأمر لقيادة الجيش الثاني لتقوم بتصفية التسلل الإسرائيلي وفي اليوم نفسه كانت جولدا مائير تلقى خطابًا أمام الكنيست الإسرائيلي، أعلنت خلاله عبور بعض القوات الإسرائيلية لقناة السويس، كما أثنت على موقف الولايات المتحدة خلال الحرب، وأعلنت سخطها على فرنسا وبريطانيا اللتين فرضتا حظرًا على شحن الأسلحة لإسرائيل، وكذلك على الاتحاد السوفيتي لموقفه المؤيد للعرب وإرسال الأسلحة والمعدات على ظهر السفن والطائرات إلى الدول العربية
كان الوضع العسكري على الجبهتين المصرية والسورية قد أعطى الفرصة لإسرائيل لتحديد أهدافها كما أنه جنبها حدوث مواجهة عسكرية على الجبهتين في وقت واحد ولمدة طويلة، وكان السبب في ذلك راجع إلى عدم وجود قيادة موحدة للجبهتين وقائد عام واحد يتمتع بكافة السلطات التي تخول له إصدار الأوامر العسكرية، كما لم يكن لهيئة عمليات القيادة الاتحادية دور إيجابي بالرغم من أن مهمتها الأساسية كانت لابد أن تنحصر في التنسيق بين الجبهتين، ولكن اقتصر عملها خلال تلك الفترة على عملية الاتصال بين الجبهتين وتبادل الإشارات اللاسلكية وحل الشفرة، وكان من المفترض من وجود هيئة قيادة موحدة هو العمل على تنسيق الخطط العسكرية بين الجبهتين، وهذا أعطى الفرصة لإسرائيل للعمل في الجبهة السورية بنجاح ثم الانتقال للجبهة المصرية
وفي 16 أكتوبر كان السادات قد أرسل الفريق سعد الشاذلي إلى الجبهة للتعامل مع الثغرة، وكان الشاذلي قد اقترح على السادات سحب بعض القوات المصرية من سيناء إلى الضفة الغربية لمواجهة القوات الإسرائيلية ولكن السادات رفض الاقتراح وهدده بإحالته لمحاكمة عسكرية، وعقب عودة الشاذلي من الجبهة في 19 أكتوبر أخذ يلح على السادات بسحب جزء من القوات المصرية إلى غرب القناة، ولكن السادات أصر على موقفه السابق، وذهب لمقر القيادة العامة لدراسة الموقف، وقد وجد أن القوات المصرية لديها خمس فرق كاملة في شرق القناة ولديها 1200 دبابة، أما في الغرب فلديها فرقة مدرعة واحدة بالإضافة لفرقة في القاهرة، والحرس الجمهوري من الممكن إدخاله المعركة ضد إسرائيل، وهنا بدأ السادات اجتماعاته مع القادة العسكريين، وأعطى أوامره بعدم سحب أي جندي من الشرق، والتعامل مع الوضع الراهن، كما قرر عزل سعد الدين الشاذلي من رئاسة الأركان، وعدم الإعلان عن ذلك القرار حتى لا يؤثر على الروح المعنوية للجيش، وعين بدلاً منه
محمد عبد الغني الجمسي رئيسًا للأركان
محمد عبد الغني الجمسي رئيسًا للأركان
وفي مساء 16 أكتوبر اتخذ القائد العام للقوات المسلحة قرارًا بتصفية القوات الإسرائيلية التي عبرت قناة السويس، وكانت الخطة المصرية تعمل على تثبيت قوات رأس الكوبري عند منطقة الدفرسوار، والقيام بهجوم أساسي شرق القناة مستندة على الجناح الأيمن للجيش الثاني، والجناح الأيسر للجيش الثالث بهدف إغلاق الممر الذي فتحته القوات الإسرائيلية إلى القناة، وقطع طريق الرجعة على القوات الإسرائيلية وفي 17 أكتوبر كان القتال يدور بشدة، واستطاعت القوات الإسرائيلية بقيادة شارون عبور الجسر العائم إلى غرب القناة وهذا دفع القيادة العامة للقوات المسلحة إلى تحريك اللواء 23 مدرع من شرق القاهرة ليتمركز على طريق مصر الإسماعيلية ليكون قريبًا من منطقة الاختراق الإسرائيلي استعدادًا للدخول في معركة ضد المدرعات الإسرائيلية
وبالرغم من أن الخطة المصرية كانت لوقف التسلل الإسرائيلي فإن القوات المصرية لم تستطع تنفيذ خطه القائد العام في تطوير الهجوم، كما فشلت الهجمات المصرية المضادة على الضفة الغربية، كما استمرت حالة الهدوء في الجولان بالرغم من سقوط أم باطنة في أيدي القوات الإسرائيلية، وهنا بدأت الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال بسرعة، وكان وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان يرى أن قرار وقف إطلاق النار يجب أن يستند على قرار مجلس الأمن رقم 242، وأن يضع موضوع تبادل الأسرى كشرط من شروط التسوية لتطبيق قرار وقف إطلاق النار
ويرى الباحث أن حرب أكتوبر نجحت في جعل إسرائيل تسعى للسلام فبعد رفضها للقرار 242 لسنة 1967، أصبحت هي التي تسعى إلى السلام وإلى تطبيق مبادئ القرار، وبذلك يكون السادات قد نجح في تحريك الجمود الذي انتاب المنطقة.
وكانت القيادة المصرية قد قامت بعدة إجراءات لوقف تقدم القوات الإسرائيلية ففي جنوب ترعة الإسماعيلية تقدم اللواء 150 مظلات في اتجاه المعابر الإسرائيلية على القناة، وتمكن في 18 أكتوبر من إحراز انتصار قوي، وبذلك وفر للمدفعية المصرية نقاط للملاحظة المباشرة لإدارة النيران، واستمرت المقاومة في ليلتي 18، 19 للضغط على فرقة أرييل شارون، كما قامت القيادة المصرية بسحب الفرقة 4 مدرعة من رأس كوبري الجيش الثالث إلى غرب القناة ووضعها تحت القيادة المباشرة للقيادة العامة وتكليفها بالانتشار من الدفرسوار إلى السويس لإغلاق طرق الاقتراب من القاهرة هذا وقد بلغ حجم القوات الإسرائيلية التي اخترقت الدفاعات المصرية ووصلت للضفة الغربية حوالي 12 ألف جندي، و200-300 دبابة سيطرت هذه القوات على شريط مواز لقناة السويس يقع بين شمال البحيرات المرة وجنوب الإسماعيلية، كما استطاعت هذه القوات تدمير عدد كبير من شبكة الصواريخ المصرية
في السادسة من صباح السادس من أكتوبر وصلت رسالة من السفارة الأمريكية في تل أبيب لواشنطن تفيد بأن إسرائيل تأكد لديها إقدام مصر وسوريا على هجوم عسكري على القوات الإسرائيلية في سيناء والجولان، وقد أكدت جولدا مائير في البرقية عدم عزم إسرائيل القيام بضربة جوية مضادة، وطالبت واشنطن بالتدخل الفوري لمنع قيام الحرب، وهنا أخذ كسنجر يدعو إسرائيل بعدم القيام بضربة وقائية وفي هذا الإطار أجرى كسنجر اتصالاته بالسوفيت لاستخدام نفوذهم في منع قيام مصر وسوريا بالحرب ضد إسرائيل
كما أن كسنجر أجرى اتصالا مع الدكتور الزيات ليبلغه بما تلقاه من أنباء مؤكدًا أن إسرائيل لا تنوى القيام بهجوم مضاد ضد مصر وسوريا، وأنها بالرغم من قيامها باستدعاء بعض قوات الاحتياط إلا أنها لن تقدم على إعلان التعبئة العامة، وذلك إثباتًا لحسن النوايا، ثم عاد كسنجر وأجرى اتصالاً آخر بالزيات في الساعة الثانية إلا ربع بتوقيت القاهرة مؤكدًا التزام إسرائيل بعدم الهجوم، وضمان الولايات المتحدة لذلك، كما أبلغه باتصالاته مع السوفيت من أجل الوصول لتسوية سلمية بدلاً من اللجوء للحل العسكري
وقبل بدء المعركة قدمت مصر شكوى إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل لقيامها بمهاجمة مصر في خليج السويس، كما قدمت سوريا شكوى إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة لقيام إسرائيل بأعمال عدوانية على خط وقف إطلاق النار، ولذا فقد كانت النظرة السائدة في الإدارة الأمريكية أن إسرائيل هي التي قامت بإطلاق النار، وفي الساعة الثانية قامت الحرب وبعدها بخمس عشرة دقيقة أجرى الزيات اتصالاً بحافظ إسماعيل حول اتصالات كسنجر فأبلغه حافظ إسماعيل بقيام الحرب، ثم عاد الزيات وأجرى اتصالاً بحافظ إسماعيل مرة أخرى أوضح له أن كسنجر يأمل في أن يكون الرد المصري على العدوان الإسرائيلي السابق للحرب كما أعلنت مصر في حدود المنطقة التي جرت بها العمليات وعدم توسيع قاعدة الهجوم
كان كسنجر ومساعدوه في مجلس الأمن القومي الأمريكي لم يتوقعوا اندلاع حرب في المنطقة، ولكن بعد خمس عشرة دقيقة من قيام الحرب تيقنوا من أن حساباتهم كانت خاطئة، كما عبر نيكسون أن الحرب كانت بمثابة مفاجأة كاملة له، وأن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية قد فشلتا في توقع قيام حربوعقب بدء الحرب بدأ كسنجر اتصالاته مع الزيات لمناقشة تطورات الوضع الجديد في المنطقة، حيث اقترح على الزيات ضرورة قيام مصر وسوريا بوقف العمليات العسكرية والعودة إلى خطوط ما قبل الحرب، وإرسال لجنة تحقيق لتحديد الطرف المسئول عن إثارة الأزمة، ولكن الزيات أوضح لكسنجر أن الأراضي المطلوب تخلى إسرائيل عنها هي أراضي مصرية، ولكن كسنجر أوضح للزيات أنه من مصلحة العرب القبول بفكرة العودة للخطوط السابقة، وهنا رفض الزيات الاقتراح الأمريكي، وأوضح لكسنجر أن هدف مصر هو أن تثبت لإسرائيل أن وجودها على الضفة الشرقية للقناة لا يمثل أمنها الحقيقي كما تدعي، وأن مبدأ الأمن مع مصر لن يتحقق إلا بالاحترام المتبادل بين الطرفين، وهنا فشلت جهود كسنجر لوقف الحرب، وبدأ في البحث عن حلول أخرى، ولذا فقد قام بالاتصال بالمملكة العربية السعودية والأردن محاولاً منع توسيع قاعدة العمليات العسكرية، وطلب من الملك فيصل التدخل لدى القاهرة ودمشق لوقف الحرب مستندًا أن إسرائيل يمكنها خلال أيام قلائل هزيمة مصر وسوريا إلا أن الملك فيصل رفض الاقتراح الأمريكي واشترط لقبول مصر وسوريا ذلك الانسحاب الإسرائيلي، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، كما أرسل الملك فيصل رسالة للسادات أكد تضامنه والشعب السعودي لمصر وسوريا
وفي إطار الموقف الأمريكي طلبت واشنطن عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن بناء على إبلاغ إسرائيل مجلس الأمن بأنها ضحية الاعتداء العربي، ولكن المراقبين الدوليين أكدوا عدم معرفتهم من الذي بدأ بإطلاق النار، وكان الرأي السائد في واشنطن بعد اندلاع الحرب أن إسرائيل هي التي بدأت بالقتال، إلا أن "وليام كولبي" مدير المخابرات المركزية الأمريكية رأى أن كلا الطرفين لم يكن لديه الرغبة في بدء الحرب، وإنما جاءت الحرب نتيجة المخاوف المتبادلة بين الطرفين، ورأى أن الولايات المتحدة لا يجب عليها الاهتمام بمن الذي بدأ الحرب، وعليها التفرغ لمسائل أخرى بسبب المخاطر التي ستصيب الولايات المتحدة نتيجة الحرب مثل الوفاق الأمريكي السوفيتي، والعلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ومصداقية الولايات المتحدة عند العرب، ولذا فقد اتسم الموقف الأمريكي في بداية الحرب بالحذر
وفي صباح 7 أكتوبر بدأت الاتصالات المصرية الأمريكية حيث أرسل السادات رسالة إلى كسنجر عن طريق حافظ إسماعيل أوضح له فيها أن الاستفزازات الإسرائيلية لم تتوقف، وأكد أن الاشتباكات التي تحدث في منطقة القناة تؤكد رفض مصر لقبول الشروط الإسرائيلية، وأن هدف مصر هو الوصول إلى تسوية سلمية، والعمل على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية عندها ستكون مصر على استعداد للاشتراك في مؤتمر للسلام تحت مظلة الأمم المتحدة
وفي الوقت الذي كان السادات يجرى اتصالاته بالإدارة الأمريكية، كانت إسرائيل تطلب السلاح من الولايات المتحدة، ولذا فقد أعد كسنجر اتصالاته بشركة "العال" للطيران الإسرائيلي بالاستعداد لنقل المعدات والأسلحة الأمريكية من قاعدة فرجينيا، وفي مساء 7 أكتوبر اجتمع السفير الإسرائيلي مع كسنجر حيث قدم له قائمة بالأسلحة والمعدات التي تحتاجها إسرائيل إلا أن كسنجر كان يرى ضرورة عدم الإسراع في تقديم الأسلحة خشية التورط المباشر في الحرب، وكانت التوقعات الأمريكية ترى أن إسرائيل ستستعيد المبادرة في الحرب بداية من يوم 8 أكتوبر، وأن إسرائيل يجب أن تركز مجهودها على الجبهة السورية ثم تنتقل إلى الجبهة المصرية، وكان كسنجر يرى أن هدف مصر من الحرب هو عبور القناة والاكتفاء بالانتصارات التي تحققت، وذلك لتحريك الوضع القائم نحو السلام
ويرى الباحث أن كسنجر كان يعمل على عدم ظهور الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت بالمنحاز لإسرائيل مع أنه أيد ضرورة الاستجابة لطلبات إسرائيل في الأسلحة، وذلك لأنه رأى أن انتصار العرب سيؤدى إلى ارتفاع مكانة السوفيت في المنطقة، ومن ناحية أخرى كان السادات قد أخطأ في اتصالاته مع كسنجر بهذه السرعة من بدء الحرب فكشف أوراقه بسرعة في أنه يعمل من أجل إيجاد حلول للتسوية بسرعة، ويبدو أن السادات قام بالوقفة التعبوية بعد انتصارات الجيش المصري أملاً في قيام الإدارة الأمريكية بالضغط على إسرائيل للانسحاب إلا أن ذلك لم يتم وبدأت الإدارة الأمريكية في إرسال الأسلحة لإسرائيل.
كان كسنجر قد بدأ في اتصالاته بالرئيس الأمريكي لإقناعه بتقديم الدعم الكافي لإسرائيل، ثم أبلغ وزارة الدفاع بذلك، ولكن البنتاجون تلكأ في تقديم الدعم لإسرائيل، ولذا فقد اتصل كسنجر بنيكسون ناقلاً له معلومات غير صحيحة أن السادات أكد في مقابلة تمت مع سفير إحدى الدول الغربية أن مصر ستواصل القتال حتى يتم تحرير سيناء، وهنا أمر نيكسون البنتاجون بإعداد الأسلحة والمعدات لإرسالها لإسرائيل في أقرب وقت وكان مجلس الأمن قد بدأ جلساته يوم 8 أكتوبر وقد اقترح مندوب الولايات المتحدة ضرورة وقف إطلاق النار على أساس الوضع السابق لبدء الحرب، ولكنه لم يتقدم بطلب التصويت على اقتراحه وفي 9 أكتوبر أجرى السفير الإسرائيلي في واشنطن عدة اتصالات بكسنجر ثم اجتمع معه في صباح ذلك اليوم حيث أخبره بحجم الخسائر الإسرائيلية على الجبهتين المصرية والسورية، وهنا شعر كسنجر أن هزيمة إسرائيل بالأسلحة السوفيتية سيعد كارثة جغرافية وسياسية للولايات المتحدة، ولذا فقد نصح كسنجر إسرائيل بضرورة تحقيق انتصار عسكري على إحدى الجبهتين قبل أن يتخذ دبلوماسي الأمم المتحدة مكاسب العرب كحق يتم إثباته في اجتماعاتهم، وضرورة تركيز جهودهم على الجبهة السورية لتحقيق انتصار أما على الجبهة المصرية فهذا أمر يطول انتظاره
وكان كسنجر قد بدأ تحركات واسعة حيث أرسل إلى الملك حسين رسالة في 9 أكتوبر طالبه بعدم التدخل في المعركة كما أرسل لموسكو يطالبها بالتوقف عن تحريض الرئيس الجزائري "هوارى بومدين" بإرسال الأسلحة لمصر وسوريا، لأن ذلك سيؤدى إلى حدوث أزمة مع واشنطن، كما طالب السفير الإسرائيلي في واشنطن بضرورة تركيز الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة جهودها للضغط على الكونجرس ليقوم بدوره في مساندة إسرائيل، كما أقنع الرئيس الأمريكي بالموافقة على جميع الطلبات العسكرية لإسرائيل عدا قنابل الليزر
إلا أن تأخر وصول المساعدات الأمريكية لإسرائيل دفع جولدا مائير إلى طلب السفر لواشنطن لبحث الأمرإلا أن كسنجر رفض لأن سفر جولدا مائير لواشنطن سيبعدها عن إسرائيل لمدة 36 ساعة، وربما سيدفع سفر جولدا مائير لواشنطن إلى انضمام العرب للمعركة بصورة مباشرة، وهنا ستكون الفرصة مواتية للسوفيت للعمل بسهولة في المنطقة، وإزاء ذلك تقدمت جولدا مائير بشكوى للرئيس الأمريكي في 12 أكتوبر بشأن تأخر وصول الأسلحة المطلوبة، وكان نيكسون يرى أن العرب سيلومون الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال، وأن التردد في إرسال الأسلحة لم يعد له فائدة، وهنا طلب من كسنجر ضرورة إبلاغ وزارة الدفاع الأمريكية بسرعة التحرك في وصول الإمدادات العسكرية لإسرائيل في وضح النهار وبدون إحراج
وفي إطار ذلك عقد كسنجر اجتماعين مع فريق العمل الخاص به ظهر 9 أكتوبر لبحث الموقف، وقد خرج كسنجر بتوصيتين أرسلهما لنيكسون الأولى: ضرورة وصول الأسلحة لإسرائيل على وجه السرعة دون المساس بمبدأ عدم بروز دور الولايات المتحدة في النزاع، والثانية: إيجاد صيغة جديدة لوقف إطلاق النار، وقد وافق نيكسون على إرسال الأسلحة بوجه السرعة لإسرائيل
ويرى الباحث أن هنرى كسنجر لعب دورًا هامًا لصالح إسرائيل، وقام بالضغط على حكومته لتقديم المساعدات السياسية والعسكرية لإسرائيل بعد إلحاح رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير في السفر لواشنطن طلبًا للدعم الأمريكي.
وكان نيكسون قد أصدر أوامر بتحرك الأسطول السادس ليرسو بالقرب من جزيرة كريت كمؤشر للقوة الأمريكية في البحر المتوسط، كما أصدر أوامره لإحدى حاملات الطائرات الأمريكية لمغادرة ميناء أثينا في طريقها لإسرائيل لمساعدتها في وقف الهجوم المصري السوري وقد لفت حافظ إسماعيل نظر كسنجر لتحركات الأسطول السادس، واستمرار وصول المتطوعين الأمريكيين لإسرائيل على متن طائرات مدنية أمريكية وكذلك قصف الطائرات الإسرائيلية لمدينة بورسعيد بسبب الاعتقاد الإسرائيلي أن لديها صواريخ أرض أرض يمكنها الوصول للعمق الإسرائيلي، وإصابة المدن الإسرائيلية، حيث أوضح له أن هذا الأمر سيخلق موقفًا جديدًا وخطيرًا في المنطقة
وفي 9 أكتوبر بدأت الحرب تأخذ مرحلة جديدة من وجهة النظر الأمريكية حيث تلاشت احتمالات حدوث نصر عسكري إسرائيلي، وهنا بدأت الإمدادات الأمريكية تصل لإسرائيل نتيجة الضغوط المفروضة عليها في تل أبيب، وبدأت السياسة الأمريكية تتغير فقامت باستبدال الدعوة إلى وقف إطلاق النار على أساس الوضع سابقًا إلى فكرة وقف إطلاق النار إلى المكان الذي تم الوصول إليه، وبدأ تدفق الأسلحة إلى إسرائيل ليس على متن طائرات شركة العال الإسرائيلية بل بمشاركة أمريكية مباشرة ومتزايدة، ففي 10 أكتوبر كان مطار هيثرو في لندن يستقبل المتطوعين الأمريكيين للسفر لإسرائيل للمشاركة في الحرب حيث وصل 500 شخص على متن طائرات نفاثة لمساعدة الجيش الإسرائيلي، كما أعلن رئيس اتحاد عمال الولايات المتحدة مساندته للعمال الإسرائيليين
كما أعلن نيكسون على الرغم من إمداده بالأسلحة لإسرائيل عن عزم الولايات المتحدة لبذل جهودها من أجل وقف القتال وبناء السلام الدائم والشامل في المنطقة، وفي 11 أكتوبر لم يحدث شيء مثير في جبهة القتال سوى نقل إسرائيل لبعض قواتها من الجولان إلى سيناء لوقف التقدم المصري، وفي 12 أكتوبر بدأت الولايات المتحدة في ممارسة الضغوط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار في المكان الذي تم الوصول إليه، وفي إطار ذلك طلب السفير البريطاني بالقاهرة في 13 أكتوبر مقابلة السادات لتسليمه رسالة من رئيس الوزراء البريطاني "هيث" كانت الرسالة موجهة في الأصل من كسنجر، طالب فيها السادات بوقف إطلاق النار إلا أن السادات رفض الاقتراح الأمريكي، وهنا كان الرد الأمريكي بأن أصدر الرئيس الأمريكي قراره بالعمل على تنفيذ الجسر الجوي لنقل جميع الاحتياجات الإسرائيلية العسكرية بعد أن استنفدت إسرائيل مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة
وهنا بدأ الجسر الجوي([url=file:///E:/d/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A9 3%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%A722%D8%B4/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84.doc#_ftn76]·[/url]) الأمريكي في العمل، وقد استخدمت 228 طائرة لنقل الأسلحة والمعدات الأمريكية لإسرائيل، وبلغت عدد الرحلات 569 رحلة وقد استخدمت الولايات المتحدة قاعدة لاهيس الجوية في جزر الآزور بالبرتغال لنقل الأسلحة والمعدات لإسرائيل، وكانت البرتغال رافضة لمرور الطائرات في أجوائها إلا أن أنها تلقت رسالة شديدة اللهجة من واشنطن للموافقة على استخدام القاعدة الجوية لنقل الأسلحة بعد رفض كل من بريطانيا وإسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا تقديم المساعدة، وهذا جعل الطائرات الأمريكية تأخذ طريقًا متعرجًا للوصول لإسرائيل([url=file:///E:/d/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A9 3%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%A722%D8%B4/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84.doc#_ftn79]¨[/url])، وقد تكلفت عملية الجسر الجوي الأمريكي 88.5 مليون دولار هذا بخلاف الأسلحة والمعدات العسكرية
وكان الرئيس الأمريكي قد حصل على موافقة من الكونجرس بتقديم المساعدات لإسرائيل، ووصل حجم المساعدات 2.2 مليار دولار، كما قامت الإدارة الأمريكية بتعزيز أسطولها السادس بقوة بحرية بلغت 2000 مقاتل، كما تم إمداد إسرائيل بالمعدات والأسلحة من مخزونها الاحتياطي في ألمانيا الاتحادية، وقد استخدمت الطائرات لنقل الأسلحة بسرعة لإسرائيل، وتم استخدام العديد من الطائرات الهليكوبتر لنقل تلك الأسلحة من إسرائيل إلى مطار العريش([url=file:///E:/d/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%A9 3%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B4%D8%A722%D8%B4/%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B5%D9%84.doc#_ftn81]·[/url]) شمال شرق سيناء
كان كسنجر متلهفًا على ضرورة قيام إسرائيل بهجومها المرتقب، ولذا فقد أرسل إلى جولدا مائير رسالة في 14 أكتوبر دعاها إلى ضرورة قيام إسرائيل بتغيير الموقف العسكري على الجبهة المصرية خلال 24 ساعة، لأن الولايات المتحدة ستسير في طريق المواجهة مع الاتحاد السوفيتي، وأنه يرغب في أن تكون المواجهة قصيرة بحيث تخرج منها واشنطن في موقف قوي، وفي اليوم التالي أجرى كسنجر اتصالاً بالملحق العسكري في السفارة الإسرائيلية في واشنطن لمعرفة آخر التطورات، وهنا علم أن مجلس الوزراء الإسرائيلي في حالة انعقاد وأن إسرائيل بدأت هجومها المضاد، وفي 16 أكتوبر بدأ كسنجر في إلحاحه على وزارة الدفاع الأمريكية لتكثيف نشاط الجسر الجوي وفي الوقت نفسه كان السادات يلقى خطابه أمام مجلس الشعب المصري ليعلن النصر العسكري على إسرائيل، كما وجه السادات رسالة إلى نيكسون أعلن بها استعداد مصر لقبول وقف إطلاق النار على أساس انسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي العربية المحتلة، وتحت إشراف دولي إلى حدود ما قبل 5 يونيو 1967، كما أعلن عن استعداد مصر لحضور مؤتمر للسلام الدولي في الأمم المتحدة، وإقناع الدول العربية لحضور الاجتماع، وتطهير قناة السويس لفتحها للملاحة(
وعلى الرغم من اقتراح السادات للسلام إلا أن إسرائيل أصرت على مواصلة الحرب بفضل المساعدات الأمريكية، وقد تمكنت إسرائيل من فتح الثغرة في منطقة الدفرسوار ودفعت قواتها غرب القناة، إلا أن هذه القوات كانت معرضة للعزلة والخطر فقد استطاعت القوات المصرية احتواء التوغل الإسرائيلي، وجعلت القوات الإسرائيلية محصورة في الغرب، وهنا أدركت رئاسة الأركان الإسرائيلية مدى الخطر الذي يحيط بقواتها، وحاولت وضع حد لذلك إلا أن طموح بعض القادة الإسرائيليين هو الذي أدى إلى تدهور موقف القوات الإسرائيلية، وهنا حاولت القيادة الإسرائيلية العمل على تأمين قواتها من الإبادة، وأصبح لزامًا على إسرائيل ضرورة العمل السياسي لوقف القتال